الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: شعب الجياع بدأ يبرز والأخطار داهمة

نشر في  05 أوت 2015  (11:39)

في هذه الصّائفة ومنذ 3000 سنة شاهدت الدلاع (البطيخ بالنسبة للمشارقة) يباع أجزاء رغم أنّ سعرالكيلوغرام الواحد لا يتجاوز 300 مليم! هذا المشهد التعيس لم يره السياسيون والوزراء وأصحاب القرار وهم يخططون، جاهلين أنّ عامّة الناس أصبحوا في ضيق لم يعد يطاق.. وكنت رويت في آخر عدد من «أخبار الجمهورية» قصّة شاب تونسي كان يعمل في نزل بالحمامات أغلق أبوابه بعد العملية الارهابيّة في سوسة فأصبح عاطلا عن العمل وهو مهدّد بالفقر أو بالانضمام الى المتشدّدين الذين يترصّدون كلّ أمثاله البائسين اليائسين! ومنذ مدة قصيرة اطلعت علىتقرير أنجزه مركز الدراسات والبحوث والعلوم الانسانيّة والذي أكّد  أنّ الطبقة الوسطى اهترأت لتصبح نسبة الفقر تناهز 30 ٪! هذه كارثة انسانية واجتماعيّة وسياسية ستكون لها انعكاسات خطيرة إضافة الى 600.000 من خريجي الجامعات التونسية الذين لايشتغلون.. وتجدر الإشارة الى أنّ نسبة النمو لسنة 201٥ لن تتجاوز 1 ٪ حسب مشروع قانون المالية الإضافي عوضا عن 3 ٪ مما يعني ان تونس دخلت منطقة الأخطار الارهابيّة والاقتصادية والاجتماعيّة ذلك أنّ نقطة نموّ واحدة تعني امكانية تشغيل 15.000 مواطن ومواطنة في حين يفوق عدد فاقدي الشّغل مليوني شخص.

ومن الحقائق البديهيّة انّ تمويل المشاريع من قبل تونسيين وأجانب يتطلب الاستقرار والأمن وحربا ناجحة على الارهاب ومناخا اجتماعيّا سليما وهدنة اجتماعيّة، لكن بلادنا تفتقر لكلّ هذا وأحسن دليل على ذلك انّ شركة «بيجو» خيّرت الاستثمار في المغرب بقيمة 10.000 مليار بعد أن كانت تعتزم انجاز المشروع في تونس!
وفي هذا الإطار حاولت الحكومة اقرار مشروع مصالحة مع كبار رجال الأعمال الذين انتفعوا من نظام بن علي، ودفعهم الى تمويل مشاريع كبرى في الولايات التي عانت من التهميش، فندّد أشخاص بالمشروع وشجبته أحزاب دون أن تقدّم بديلا مقنعا سوى المحاسبة والمحاكمة من لجنة بن سدرين التي لن تعدل لأنّها الشرطي والقاضي في الآن نفسه، وميولاتها السياسيّة معروفة وواضحة! انّي مع مشروع المصالحة شريطة تخصيص نسبة من مكاسب أبرز رجال الأعمال المتورّطين في قضايا فساد لتنمية الولايات الحدوديّة، فما الفائدة من محاكمتهم الاّ اذا كان هناك اشخاص يريدون ابتزازهم أو الحصول على تعويضات  ضخمة «للأصدقاء» أو البروز كأبطال للعدالة الثورية!
انّ تونس بحاجة الىالعدل والى جبر الأضرار وليس الى الانتقام والابتزاز، ولو واصلنا ـ حكومة ومنظّمات وطنيّة وشخصيات سياسيّة ـ في تغذية عدم الاستقرار، فستعرف بلادنا الافلاس وربما مجاعات كبرى وتفاقم الاجرام إلى حدّ مهاجمة الجياع لمخازن الأغذية وربما كبرى المساحات التجارية..
انّ المطلوب اليوم أن تعدّ الحكومة لحرب شاملة على الارهاب ومنظّريه وداعميه اعتمادا على استراتيجية واضحة تقضي على كبار المهرّبين والجمعيات المموّلة للارهاب والتشدّد وتمكّن من السيطرة على المساجد الراعية للتطرّف وأيضا اقصاء المتشدّدين في الأمن والجيش والحرس والديوانة ثم فرض المصالحة مع كبار المنتفعين من نظام بن علي وكذلك بعد تحديد قيمة ثرواتهم بكلّ دقة وتخصيص جزء هامّ منها لفائدة الجهات المحرومة.

انّه لابدّ من طمأنة رجال الأعمال حتّى يستثمروا أموالهم كما انّ الحكومة بحاجة الى مداخيل أخرى بفضل العدالة الجبائية، وفضلا عن ذلك فالشّعب ينتظر تحسين ظروفه علىجميع المستويات، ولو استمررنا في التردّد وفي التلويح بشبح المحاسبة والانتقام فستتفاقم الاضرابات وستنهار بلادنا ـ لا قدر الله ـ وستصبح الطبقة الوسطى طبقة الفقر المزمن في حين ستتأجّج نيران الاضطرابات الاجتماعيّة أو ربّما تظهر المجاعة لدى بعض الفئات.
إنّنا بحاجة الى حكومة ديمقراطيّة قوية تفرض الانضباط وتشنّ حربا شرسة على الارهاب وتوفّر الأجواء الملائمة لانتعاشة اقتصاديّة.. انّ هذه الحكومة مدعوّة الى الاتفاق حول هدنة اجتماعيّة مع المنظّمات والأحزاب، والى انهاء الاضرابات العشوائيّة والاهتمام بضعاف الحال وطالبي الشغل والتنمية في المناطق والولايات التي لم تنل حظّها في العهود السابقة.
انّ تونس اليوم في خطر.